يطرح العديد من الموظفين الحكوميين في المملكة العربية السعودية تساؤلات حول مدى قانونية مشاركتهم في تأسيس الشركات أو الاستثمار في الأعمال التجارية. وتأتي هذه التساؤلات في ظل وجود أنظمة صارمة تهدف إلى منع تعارض المصالح وضمان التفرغ التام لأداء الوظيفة العامة. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل القوانين واللوائح المنظمة لهذا الأمر، والاستثناءات التي يُسمح بها، إضافة إلى العقوبات المحتملة عند المخالفة.
هل يسمح للموظف الحكومي أن يكون شريك في شركة
تحظر المادة 13 من نظام الخدمة المدنية على الموظف الحكومي ممارسة النشاط التجاري، حيث تنص بوضوح على أنه:
لا يجوز للموظف الحكومي الاشتغال بالتجارة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما لا يجوز له الاشتراك في تأسيس الشركات أو قبول عضوية مجالس إدارتها أو العمل بها أو في محل تجاري، إلا إذا كان معينًا من قبل الحكومة، ويجوز بمقتضى لائحة يصدرها مجلس الوزراء الإذن للموظفين بالعمل في القطاع الخاص في غير أوقات الدوام الرسمي.
وبالتالي، فإن الموظف الحكومي ممنوع من:
- تأسيس الشركات أو المشاركة الفعالة في إدارتها.
- العمل في أي منشأة تجارية، سواءً بصفته مديرًا أو عضوًا في مجلس الإدارة.
- امتلاك سجل تجاري باسمه لمزاولة أي نشاط تجاري.
هذا المنع يهدف إلى تجنب أي تعارض محتمل بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة، وضمان التزام الموظفين الحكوميين بواجباتهم الوظيفية بشكل كامل.
الاستثناءات المسموحة لموظفي الحكومة
رغم الحظر العام، هناك استثناءات قانونية تُتيح للموظف الحكومي القيام ببعض الأنشطة الاستثمارية، ولكن بشروط محددة. وتشمل هذه الاستثناءات ما يلي:
1. امتلاك العقارات وإدارتها
- يمكن للموظف الحكومي شراء العقارات وبيعها وتأجيرها، سواءً كانت عقارات سكنية أو تجارية، بشرط أن لا يكون هذا النشاط متكرّرًا بطريقة تجعله يُعتبر "تجارة".
- يجوز له الاستثمار في المشاريع العقارية غير الإدارية، مثل شراء أرض والاحتفاظ بها للاستثمار.
2. الاستثمار في سوق الأسهم والصناديق الاستثمارية
- يسمح للموظف الحكومي الاستثمار في الأسهم والسندات والصناديق الاستثمارية في البورصة السعودية أو العالمية.
- لا يعتبر شراء الأسهم في الشركات المساهمة "ممارسة للتجارة" طالما أن الموظف ليس عضوًا في مجلس الإدارة أو متدخلاً في عمليات التشغيل اليومية.
3. امتلاك حصص في الشركات دون إدارة فعلية
- يمكن للموظف الحكومي أن يكون شريكًا في شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة مساهمة، بشرط أن يكون مستثمرًا فقط دون أن يكون مديرًا تنفيذيًا أو عضوًا في مجلس الإدارة أو مسؤولًا عن عمليات الشركة.
- يفضل أن يكون الاستثمار سلبيًا، مثل امتلاك نسبة صغيرة من الأسهم في شركات غير مدرجة في السوق المالية.
4. الترخيص الاستثنائي لبعض الموظفين
- بعض الموظفين الذين تحتاج الحكومة إلى خدماتهم في القطاع الخاص قد يُمنحون إذنًا رسميًا بالعمل في جهات خاصة، وذلك بموجب قرارات تصدر عن مجلس الوزراء أو الجهات المختصة.
- يطبق هذا الإعفاء غالبًا على الأطباء، المهندسين، الأكاديميين، والمستشارين القانونيين، الذين يسمح لهم بمزاولة المهنة خارج أوقات الدوام الرسمي.
هل يستطيع الموظف الحكومي العمل بوظيفة مسائية
تعد مسألة عمل الموظف الحكومي بوظيفة مسائية أو إضافية من الأمور التي تنظمها لوائح الخدمة المدنية في السعودية. وبشكل عام، لا يسمح للموظف الحكومي بالعمل في وظيفة أخرى، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، دون الحصول على إذن رسمي من الجهات المختصة.
الحالات التي يسمح فيها بالعمل بوظيفة مسائية
إضافة إلى الاستثناءات السابقة، هناك بعض الاستثناءات التي قد تسمح للموظف الحكومي بالعمل بوظيفة مسائية، وتشمل:
- الوظائف الأكاديمية والاستشارية: يسمح لبعض الموظفين، مثل الأكاديميين في الجامعات والمستشارين القانونيين، بالعمل في مؤسسات أخرى وفقًا لأنظمة خاصة.
- الوظائف في المجال الصحي: يسمح للأطباء والممارسين الصحيين العاملين في القطاع الحكومي بممارسة العمل الطبي الخاص، ولكن بشروط تحددها وزارة الصحة.
- العمل في الجمعيات غير الربحية: قد يسمح للموظف بالمشاركة في العمل الخيري أو التطوعي، خاصة إذا لم يكن هذا العمل مدفوع الأجر.
- الحصول على موافقة رسمية: في بعض الحالات، يمكن للموظف التقدم بطلب رسمي للحصول على موافقة من الجهة التي يعمل بها لمزاولة عمل إضافي، بشرط ألا يتعارض مع مهامه الوظيفية الأساسية.
العقوبات المفروضة عند مخالفة الأنظمة
يؤدي انتهاك القوانين المتعلقة بممارسة الموظف الحكومي للتجارة إلى عواقب قانونية صارمة، تتراوح بين العقوبات الإدارية والمالية. وأبرز هذه العقوبات تشمل:
- الفصل من الوظيفة: إذا ثبت أن الموظف يمارس التجارة أو يدير شركة، فقد يحال إلى التحقيق الإداري، مما قد يؤدي إلى الفصل النهائي من العمل الحكومي.
- الغرامات المالية: في بعض الحالات، قد يتم فرض غرامات مالية كبيرة على الموظف المخالف، خاصة إذا كان يتعامل بعقود مع جهات حكومية بشكل غير قانوني.
- إلغاء السجلات التجارية والتراخيص: إذا تبين أن الموظف الحكومي يمتلك سجلًا تجاريًا أو يدير منشأة بشكل مخالف، سيتم إلغاء السجل التجاري وإيقاف التراخيص ذات الصلة.
- استرداد الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة: في بعض الحالات، قد تُلزم الجهات الرقابية الموظف بإعادة أي أرباح حققها نتيجة مشاركته في التجارة بطريقة غير قانونية.
كيفية تجنب المخالفات والتأكد من الامتثال للقوانين
لتجنب التعرض للمساءلة القانونية، يفضل أن يقوم الموظف الحكومي باتباع الإرشادات التالية:
- التأكد من الأنظمة واللوائح الصادرة عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لمعرفة ما هو مسموح وما هو محظور.
- تقديم طلب رسمي للجهة الحكومية التي يعمل بها للحصول على الموافقة.
- الاستشارة القانونية من محامٍ مختص في القوانين التجارية والوظيفية قبل اتخاذ أي خطوة استثمارية.
- تجنب تسجيل أي نشاط تجاري باسمه أو تولي أي منصب إداري في الشركات.
- مراقبة استثماراته الشخصية لضمان أنها لا تتعارض مع طبيعة عمله الحكومي.
- التأكد من أن الوظيفة الإضافية لا تتعارض مع طبيعة وظيفته الحكومية أو تؤثر على أدائه.
بشكل عام، لا يسمح للموظف الحكومي في السعودية بممارسة التجارة أو تولي مناصب إدارية في الشركات، إلا في حالات استثنائية محددة مثل امتلاك العقارات أو الاستثمار في الأسهم. وتفرض عقوبات صارمة على من يخالف هذه الأنظمة، بما في ذلك الفصل من الوظيفة والغرامات المالية. لذا، من الضروري أن يكون الموظف الحكومي على دراية تامة بالقوانين لضمان الامتثال وعدم التعرض للمساءلة القانونية.
اترك تعليقك